محمد خروب
الدولة التي تزعم انها «الاقوى» في الشرق الاوسط، والمتبجحة بان لا تهديد «استراتيجيا» لها في المدى المنظور، وانها لم تكن على هذه الدرجة من التحالفات المُعلنة وخصوصاً الخفية الاقليمية, وبالتحديد مع دول عربية لا تقيم معها علاقات دبلوماسية، والمنتشية بوجود صديقها المخلص والعاطف الاكبر في البيت الابيض الذي يُكثِر من مفاجآته لها, وتزدحم لديها مواعيده المُفرِحة, التي ستصل ذروتها في احتفالات دولة العدو الصهيوني بـ»سبعينيتها», بنقل متعهد «صفقة القرن» سفارته الى القدس تكريساً لمقولته الشهيرة: بان ملف القدس قد تمت «إزاحته» عن الطاولة...نهائياً.
هذه الإسرائيل تلوذ بالصمت وتتفادى صحافتها ووسائل إعلامها, الحديث عن الملف الاكثر «وضوحاً»,والذي يعكس حجم مأزقها اذا ما تعاطت معه وفق «سياسة» قادتها طوال سبعة عقود, وهي التعامل مع العرب، وفق قاعدة تقول: اذا لم يخضعوا بالقوة، فانهم سيخضعون بمزيد من القوة.. ولهذا ايضا يصمت وزير الحرب الصهيوني افيغدور ليبرمان, بعد ان كان صرّح في عنجهية ان كامل «البلوك 9» هو «اسرائيلي» ، وفق كل المعايير, وان اسرائيل ستدافع عن «حقوقها». ثم تُرِك الملف 5 كاملاً بيد الوسيط الاميركي (النزيه..طبعاً) نائب مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد, الذي قام بزيارتين مكوكيتين لبيروت وتل ابيب, لم تسفِرا عن نتائج تُذكَر, بعد ان سرّبت اوساط لبنانية إعلامية ان ساترفيلد تبنّى كالعادة, موقف اسرائيل, وإن كان ابدى بعض المرونة التي تمنح اسرائيل حقوقا في «البلوك البحري رقم 9» تزعم اسرائيل انها في حدود «300» كيلومتر مربع. لكن لبنان وفي موقف موحَّد غير مسبوق بين الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء) رفضَ اي صيغة تحرِمه من حقوقه ايا كانت ادعاءات اسرائيل وابتزازها, مدعوما في شكل مُعلَن من قِبل حزب الله الذي اعلن أمينه العام استعداده لـ»ضرب المنشآت النفطية والغازية الصهيونية في البحر, وايقافها عن العمل خلال ساعات معدودات اذا ما طلبت «الدولة اللبنانية» منه ذلك. مؤكدا في الوقت نفسه ان «المقاومة» هي الوحيدة القادرة على لجم العربدة الاسرائيلية.
اخذت اسرائيل تهديدات السيد نصر الله بجدية, وتعاطت معها وفق ما تتوفر عليه استخباراتها من معلومات عن قدرات حزب الله. ما دفع واشنطن الى انتهاج اسلوب التحايل والمخاتلة عبر مبعوثها ساترفيلد,الذي سعى الى جرّ لبنان لمفاوضات مباشرة مع اسرائيل,موضِحاً ان الاخيرة لم تعد تطالِب بـ»كامل» البلوك9 « بل مجرد جزء منه. لكن «الاجوبة» التي سمعها من المسؤولين اللبنانيين كانت «موحّدة» ,على الصيغة «الأولى»التي جاء بها المبعوث الأميركي,لخّصتها العبارة المشهورة»take it or Leave it».
يمكن لمتابع المشهد الاسرائيلي في جانبه الإعلامي, بعد ان يترك جانبا التصريحات التي يُدلي بها المسؤولون في دولة العدو التي تأخذ طابع التنافس والمزايدة الحزبية, في ضوء التطورات المتسارعة التي تشهدها اسرائيل بعد ان اقتربت مرحلة نتنياهو من نهايتها, وشعور الاغلبية بان المستقبل السياسي لزعيم حزب الليكود الفاسد والمرتشي قد بات في مهب الريح, الا اذا حدث انقلاب «قضائي» في اللحظة الاخيرة. وهو امر يستبعده كثيرون, بعد انكشاف قضايا وملفات لم تكن تُعرَف من قبل, وبخاصة الملف الدراماتيكي الاخير الذي حاول فيه نتنياهو (عبر مبعوثين له) مقايضة قاضية في المحكمة إغلاق ملف زوجته سارة المتهمة بالفساد واستغلال موقع زوجها, مقابل تعيين هذه القاضية واسمها «غريستيلّا»، في المحكمة العليا, وهي اعلى هيئة قضائية في دولة العدو, لكنها رفضت وإن كانت «صمتت» هي ورئيسة المحكمة العليا الحالية إستر حيوت, عندما اخبرتها الاولى بالصفقة المعروضة عليها.
كتب غيئورا ايلند، مستشار الامن القومي الاسرائيلي السابق, مقالة في صحيفة «يديعوت احرونوت» يوم 22 الجاري, دعا فيها الى اعتماد «خط وسط» بين طريقتي الحساب اللبنانية والاسرائيلية، «تُعفي» الطرفين من إمكانية المواجهة مع النوع, الذي بحث عنه «نصر الله بالذات»، كما كتَب حرفياً..
ما يعني «لَحْس» تصريحات ليبرمان حول «إسرائيلية» البلوك 9، وما يؤكد ايضا تراجع العدو عن التلويح باستخدام القوة, التي واصل التلويح بها في كل مناسبة امام العرب، لانه يعلم ان ثمن مغامرة كهذه لن تكون اسرائيل قادرة على دفعه, حتى لو نجحت في «إعادة لبنان الى العصرالحجري»، لانها ستكون قد أُرجِعَت الى ما قبل هذا العصر, او اقله لن يكون عدوانها نزهة في هذا البلد العربي, الذي كان يسخر منه قادة العدو ويقولون: ان فرقة موسيقية في جيش الدفاع قادرة على احتلاله. اذ بات لبنان بالذات وربما الوحيد, القادر على ايلام دولة الاحتلال وتدفيعها ثمن اي حماقة تُقدِم عليها, سواء في البحر (حيث مزاعمها المرفوضة في البلوك البحري9) ام على حدوده البرِّية مع فلسطين المحتلّة, المعروفة بـ»الخط الازرق», بمنع اسرائيل بناء جدارها الحدودي التي شرعت بإقامته, على اي شبر من الاراضي اللبنانية.
يدير لبنان «معركته» الراهنة مع اسرائيل وحليفتها واشنطن، بحكمة وشجاعة. دون ان يمنح دولة العدو فرصة اللعب على انقساماته السياسية والحزبية التي تحتدم مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في السادس من أيّار الوشيك, في الوقت ذاته الذي يرفض الجلوس على طاولة واحدة مع اسرائيل, إلا عبر طرف ثالث «خبير» في النزاعات الحدودية وتحت رعاية الأمم المتحدة, لتحديد الحدود والبت في المشكلة التي افتعلتها اسرائيل معه, مُؤكداً بثبات انه متمسّك بحقوقه النفطية, ولن يتراجع عنها..مطلقاً.
[email protected]